الملاحقة القانونية للدجالين والنصابين من تجار الطب البديل والمعالجين بالشوربة وبرطمانات بول الإبل وأكياس أعشاب الموت ضرورية ومهمة، ولكنها أيضاً مليئة بالثغرات وطرقها طويلة ومسالكها ملتوية، ويستطيع هؤلاء الحواة من المتاجرين بآلام الناس، ومن خلال بعض المحامين، الإفلات من العقوبة بمجرد أن يقدم أحدهم ورقة بأنه لا توجد شكوى فى وزارة الصحة أو النقابة، أو لأن النقود التى كانت تدفع مقابل هذه الأعشاب الوهمية توضع فى بنوك عربية لا مصرية ولا توجد بها إيصالات، أو للخوف المزمن من التقدم للنيابة بشكوى حتى لا يدخل الضحية فى سين وجيم ويظل يردد الجملة السلبية الخالدة «اللى حصل حصل وهو يعنى الميت حيرجع»!!، وتظل مطاردة القط والفأر قائمة فى بلد يعشق الجهل والخرافة ومن السهل جداً أن تضحك على الغلابة فيه من خلال وضع غطاء دينى على البضاعة أو تمريرها من خلال جسر اسمه الطب النبوى، والنبى منهم براء.

هناك حل آخر لابد أن يتوازى ويسير جنباً إلى جنب مع الملاحقة القانونية للنصابين، الحل هو صناعة المشاهد المصحصح الذى لديه جهاز مناعة قوى ضد هذه الأكاذيب والخرافات، الذى يستطيع فضح الدجالين وانتقادهم من خلال ثقافته الطبية ومعلوماته الصحية والمنهج العلمى الذى استقاه، المشاهد الذى يمتلك راداراً حساساً يلتقط كل ما هو تخريف وتأليف، ولكن كيف نخلق هذا المشاهد؟، الإجابة: من خلال الإعلام، من خلال قناة فضائية طبية صحية متخصصة وخاصة، ولكى تكون محترفة وناجحة لابد أن تكون خاصة، يقوم بإنشائها أطباء وصيادلة ومستشفيات،

ولابد أن تكون لوزارة الصحة ونقابتى الأطباء والصيادلة أسهم فى هذه القناة، وبالطبع لكى تستمر هذه القناة لابد أن تكسب أيضاً، فمنطق القطاع العام فى الإعلام أثبت فشله، ومن الممكن أن تسمح وزارة الصحة بإعلانات الأدوية التى ستوضع تحت الرقابة ولن يسمح بإذاعتها إلا بعد المرور على لجنة من وزارة الصحة، والمكسب سيعود على الاثنين، القناة والوزارة، ومن الاقتراحات المهمة أن تقوم هذه القناة بنشر إعلان وعقد اختبارات لمذيعيها الذين سيكونون فقط من خريجى وخريجات كلية الطب والصيدلة المتدربين.

تجربتى ومعركتى مع هؤلاء النصابين أثبتت أنهم يمتلكون ذكاء النصاب المحترف وقوة أعصاب الجاسوس الدولى وبجاحة سارقى الكحل من الأعين وتخانة جلد الخرتيت، إنهم مافيا متشابكة العلاقات من ذوى القلوب الميتة والضمائر الخربة، المعركة السابقة كنت فيها، للأسف، وحيداً، أجمع الأدلة وحدى، وأتلقى الطعنات والتهديدات وحدى، وترفع على قضايا السب والقذف ويتم تكفيرى واتهامى بأننى أتكسب من الهجوم عليهم، أدور على النيابات كعب داير وأتسول شهادات المرضى وحدى، وفى آخر لحظة يتركونك فى العراء ويعتذرون لك بلباقة، ويطلبون منك أن تكون شهيداً وحدك عارى الصدر بلا دروع، ويعدونك بأنهم سيتلقون العزاء فيك وسيهتمون بشياكة السرادق!

الحرب ضد هؤلاء النصابين طويلة وشاقة ولابد أن تستخدم درجة ذكائهم نفسها، ولا تجلس واضعاً يدك على خدك ناظراً تحت قدميك، هم يستخدمون الإعلام بمنتهى الاحتراف فلابد لكل من يريد إنقاذ صحة الناس أن يلعب بنفس الاحتراف.